فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا لا ضرورةَ تدْعُوا إليه، ومجيءُ {لو} بِمَعْنى: «إنْ» شَيْء أثبته بعضهم على قِلَّة، فلا يَنْبَغي أن يُحْمَل القُرآنُ عليه.
وقال ابْن عَطِيَّة: {عَلى أنْفُسِكُم} متعلِّقٌ بـ {شهداء}.
قال أبو حيان فإنْ عَنَى بـ {شُهَدَاءَ} المَلْفُوظ به، فلا يَصِحُّ، وإن عَنَى به ما قَدَّرْناه نَحْن، فيصِحُّ يعني: تقديره: «لو» بمعنى: «إنْ» وحَذْفَ «كان»، واسمِها، وخبرها بَعْد «لو»، وقد تقدَّم أن ذَلِك قَلِيلٌ، فلم يبق إلا انَّ ابن عَطِيّة يريد «شُهَداءَ» مَحْذُوفةً؛ كما قَدَّرْتُه لك أولًا، نحو: «ولو كُنْتُم شُهَدَاء» على أنفسكم، لوجَبَ عليْكُم أن تَشْهَدُوا.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنفسكُم فجَعَل «كَان» مُقَدَّرةً وهي تَحْتَمِلُ في تَقْدِيره التَّمَام والنُّقْصَان: فإنْ قدَّرْتَها تَامةً، كان قوله: {على أنْفُسِكُم} متعلِّقًا بنفسِ الشَّهَادة، ويكون المَعْنَى: «ولو وُجِدَتِ الشهادةُ على أنْفُسِكُم» وإن قدَّرْتَها نَاقِصَةً، فيجوزُ أنْ يكون «على أنْفُسِكُم» متعلِّقًا بمَحْذُوفٍ على أنَّه خَبرُهَا، ويجُوز أن يكُون متعلِّقًا بنفس الشَّهادة، وحينئذ يكُون الخَبَر مقدَّرًا، والمَعْنَى: «ولو كَانَتِ الشَّهَادةُ على أنْفُسِكُم موجُودةً» إلا أنَّه يلزمُ مِنْ جَعْلِنا «على أنْفُسِكُم» متعلِّقًا بالشَّهادة، حذفُ المَصْدرِ وإبقاءُ معْمُولِه، وهو قليل أو مُمْتَنِع، وقال أيضًا: «ويجُوز أن يكُون المَعْنَى: وإن كانتِ الشَّهَادة على أنْفُسِكُم».
ورَدَّ عليه أبو حيَّان هَذَيْن الوجْهَيْنِ فقال: وتقديرُه: ولو كانت الشَّهادة على أنْفُسِكُم ليس بجيِّد؛ لأن المحْذُوفَ إنما يكون من جِنْس المَلْفُوظ به؛ ليدلَّ عليه، فإذا قُلْت: «كن مُحْسِنًا، ولو لمَنْ أساء إليك»، فالتقدير: ولو كنت مُحْسِنًا لمَنْ أساء، ولو قَدَّرْتَه: «ولو كان إحْسَانُك» لم يكن جَيِّدًا؛ لأنك تَحْذِف ما لا دلالة عليه بِلَفْظٍ مُطَابِقٍ.
وهذا الردُّ لَيْس بشيء، فإن الدِّلالة اللَّفظِيّة موجودةٌ؛ لاشتراكِ المَحْذُوفِ والمَلْفُوظ به في المَادَّة، ولا يَضُرُّ اختلافُهما في النَّوْع.
وقال في الوجه الثاني: «وهذا لا يجُوز؛ لأن ما تعلَّق به الظَّرْف كونٌ مقيدٌ، والكونُ المُقَيَّد لا يجُوز حَذْفُه، بل المُطْلَقُ، لو قلت: كَان زَيْد فِيك، تعني: مُحِبًّا فيك، لَمْ يَجُز».
وهذا الرَدُّ أيضًا لَيْس بِشَيْءٍ؛ لأنه قصد تَفْسير المَعْنَى، ومبادئُ النَّحْو لا تَخْفَى على آحادِ الطَّلبة، فكيف بِشَيْخِ الصِّنَاعَة.
قوله: {إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فالله أولى بِهِمَا} إذا عُطِف بـ «أوْ» كان الحُكْمُ في عَوْدِ الضَّمِير، والإخْبَارِ، وغيرهما لأحدِ الشَّيْئَيْن أو الأشياء، ولا يجُوزُ المُطابَقَةُ، تقول: «زَيْد أو عَمْروا أكْرمتهُ» ولو قُلْتَ: أكرمتهُمَا، لم يَجُز، وعلى هذا يُقال: كيف ثَنَّى الضَّمِير في الآية الكَرِيمَةِ، والعطف بـ «أو»؟ لا جَرَم أن النَّحْويِّين اختلَفُوا في الجواب عن ذلك على خَمْسَةِ أوْجُه:
أحدُها: أنَّ الضَّمِير في {بهما} ليس عَائِدًا على الغَنِيِّ والفقير المَذْكُورين أولًا، بل على جنْسَي الغني والفَقِير المدلُولِ عليهما بالمَذْكُورَيْن، تقديرُه: وإنْ يكنِ المشهُودُ عليه غَنِيًّا أو فقيرًا، فليشْهَد عليه، فاللَّهُ أوْلى بجنْسَي الغنيِّ والفقيرِ؛ ويَدُلُّ على هذا قِراءة أبَيِّ: {فاللَّه أوْلَى بِهِمْ} أي: بالأغنياء والفقراءِ مراعاةً للجِنْسِ على ما قَرَّرته لَك، ويكون قوله: {فالله أولى بِهِمَا} ليس جوابًا للشرط، بل جَوابُه مَحْذُوفٌ كما قَدْ عَرَفْتَه، وهذا دالٌّ عليه.
الثاني: أنَّ «أو» بمعنى: الواو؛ ويُعْزى هذا للأخْفش، وكنت قدَّمْتُ أوّلَ البقرة: أنه قولُ الكوفيين، وأنه ضعيفٌ.
الثالث: أن «أو»: للتَّفْضِيل أي: لتفصيلِ ما أبْهِم، وقد أوضح ذلك أبُو البقاء، فقال: وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ من المَشْهُود عليه والمشهود له، قد يكُون غنيًّا، وقد يكُون فقيرًا، وقد يكونان غَنِيَّيْنِ، وقد يكونان فَقَيرَيْن، وقد يكون أحَدُهُمَا غنيًّا والآخر فَقِيرًا؛ فلما كَانتِ الأقسام عند التَّفْصِيل على ذلك، أُتِي بـ «أو»، لتَدُلَّ على التَّفْصِيل؛ فعلى هذا يكون الضَّمِير في {بهِما} عائدًا على المَشْهُود له والمشهود عليه، على أيِّ وصفٍ كانا عليه. انتهى؛ إلا أنَّ قوله: «وقد يكون أحَدهُمَا غنيًّا والآخر فَقِيرًا» مكرَّرٌ؛ لأنه يُغْني عنه قوله: «وذَلِك أنَّ كلَّ وَاحِد» إلى آخره.
الرابع: أنَّ الضَّمِير يعود على الخَصْمَيْن، تقديره: إن يكُن الخصمان غنيًّا أو فقيرًا، فالله أوْلى بِذَينك الخصمين.
الخامس: أن الضَّمير يعود على الغَني والفَقير المدْلُول عليهما بلَفْظ الغنّي والفقير، والتقديرُ: فاللَّهُ أولى بغنى الغني وفقر الفقير، وقد أساء ابن عصْفُور العِبَارة هنا بما يُوقفُ عليه في كلامه، وعلى أربعة الأوجهِ الأخيرة يكونُ جوابُ الشَّرط ملفوظًا به، وهو قوله: {فالله أولى بِهِمَا} بخلاف الأوَّل؛ فإنه مَحْذُوفٌ.
وقرأ عبد الله بن مسعود: {إن يَكُنْ غنيٌّ أو فقيرٌ} برفعهما، والظَّاهرُ أنَّ «كان» في قراءته تامةٌ، أي: وإنْ وجِد غِنِيٌّ أو فقير، نحو: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280].
قوله: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى} أي: اتركُوا متابعة الهَوَى؛ حتى توصَفُوا بالعَدْل؛ لأنَّ العدل عِبارة عن تَرْك مَتَابعة الهَوَى، ومن تَرَك أحَد النَّقِيضَيْن، فقد حَصَل له الآخَر.
قوله: {أنْ تَعْدِلُوا} فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدُها: أنه مَفْعُولٌ مِنْ أجله على حَذْفِ مضافٍ، تقديره: فلا تتَّبِعُوا الهوى محبةَ أنْ تَعْدِلوا، أو إرادةَ أنْ تَعْدِلوا، أي: تَعْدِلوا عن الحَقِّ وتجُوروا.
وقال أبو البقاء في المضافِ المحذوف: «تقديره: مخافة أن تَعْدلوا عن الحَقِّ».
وقال ابن عَطِيَّة: «يُحْتمل أن يكُونَ مَعْناه: مخافة أن تَعْدِلوا، ويكُون العَدْلُ هنا بِمَعْنى: العُدول عن الحَقِّ، ويُحْتمل أن يكُونَ معناه: مَحَبة أنْ تُقْسِطُوا، فإنْ جعلْتَ العَامِل» تَتَّبِعُوا «فيحتمل أن يكونَ المَعْنَى: محبةَ أنْ تجُوروا» انتهى؛ فتحصَّل لنا في العَامِل وجهان:
الظاهرُ منهما أنه نَفْسُ «تتبعوا».
والثاني: أنه مُضْمَر، وهو فعلٌ من مَعْنَى النهي؛ كما قدَّره ابنُ عطيَّة، كأنه يزْعمُ أنَّ الكلامَ قد تَمَّ عند قوله: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى} ثم أضْمَرَ عَامِلًا، وهذا ما لا حَاجَة إليه.
الثاني: أنه على إسْقَاطِ حرْفِ الجَرِّ، وحذْفِ «لا» النَّافِية، والأصْل: فلا تتَّبعوا الهَوَى في ألاَّ تَعْدِلوا، أي: في تَرْكِ العَدْل، فحذف «لا» لدلالة المَعْنَى عَلَيْهَا، ولمَّا حَذَف حَرْفَ الجر من «أنْ» جرى القَوْلان الشَّهِيرَان.
الثَّالث: أنه عَلَى حَذْفِ لام العِلَّة، تقديرُه: فلا تتبعوا الهوى؛ لأن تَعْدِلوا.
قال صَاحِب هذا القول: «والمعنى: لا تتبعُوا الهوى؛ لتكونوا في اتِّباعِكُمُوه عدُولًا، تنبيهًا على أن اتباعَ الهوى وتَحَرِّي العدالةِ مُتَنَافيان لا يجتمعان» وهو ضَعِيفٌ في المَعْنَى.
قوله: {وَإِن تَلْوُوا} قرأ ابن عامرٍ، وحمزة: {تَلُوا} بلامٍ مَضْمُومةٍ وواوٍ ساكنة، والبَاقُون: بلامٍ ساكنةٍ وواوَيْن بعدهَا، أولاهُمَا مَضْمُومة.
فأمَّا قراءةُ الوَاوَيْن، فظاهرةٌ؛ لأنه من لَوَى يَلْوي، والمعْنَى: وإنْ تَلْووا ألسِنَتِكُم عن شهادةِ الحَقِّ أو حكومَةِ العَدْل، والأصْلُ: تَلْوِيُون كتَضْرِبون، فاستُثْقِلَت الضَّمَّةُ على اليَاءِ فحُذفت، فالتقى سَاكِنَان: الياء وَوَاو الضَّمِير، فحُذِف أوّلُهما- وهو الياء- وضُمَّت الواوُ المكْسُورةُ التي هِيَ عَيْن لأجْل واوِ الضميرِ، فصار: تَلْوُون، وتصريفُه كتصريف «تَرْمُونَ».
فإن كان عَنِ الشَّهادة، فالمَعْنَى: يحرِّفُوا الشَّهادة؛ ليُبْطِلُوا الحقَّ، من قولهم: لوى الشيء، إذا فتله، ومنه يُقَال: التَوَى هذا الأمْر، إذا تَعَقَّد وتعسَّرَ، تشبيهًا بالشَّيْءِ المُنْفَتِل، أو تُعْرِضُوا عنها فَتَكْتُمُوهَا، أو يُقَال: تَلْوُوا في إقامة الشَّهَادة إذا تَدَافَعُوا، يقال: لَوَيْتُه حَقَّه؛ إذا دَفَعْتَه وأبْطلْتَه.
وإن كان عَنَى الحُكْم بالعَدْل، فهو خِطَاب للحُكَّام في لَيِّهم الأشداق، يقول: {وَإِن تَلْوُواْ} أي: تميلُوا إلى أحَدِ الخَصْمَيْن، أو تُعْرِضُوا عنه.
وأما قراءة حمزة وابنِ عامرٍ، ففيها ثلاثة أقوال:
أحدُها: وهو قول الزَّجَّاج، والفراء، والفارسي في إحدى الرِّوايَتَيْن عنه- أنه من لَوَى يَلْوي؛ كقراءة الجماعة، إلاَّ أنَّ الوَاوَ المَضْمُومةَ قُلِبَتْ هَمْزةً؛ كقلبها في «أجُوه» و«أُقِّتَتْ»، ثم نُقِلت حركةُ هذه الهَمْزةِ إلى السَّاكن قَبْلَها وحذفت، فصار: «تَلُون» كما ترى.
الثاني: أنه من لَوَى يَلْوي أيضًا، إلا أن الضَّمَّة استُثْقِلَتْ على الواو الأولى فنُقِلت إلى اللام السَّاكِنَة تَخْفِيفًا، فالتقى ساكِنَان وهما الواوان، فحُذِف الأوَّل مِنْهُما، ويُعْزى هذا للنَّحَّاسِ، وفي هَذَيْن التخريجَيْن نظرٌ؛ وهو أنَّ لامَ الكَلِمَة قد حُذِفَتْ أولًا كما قَرَّرْته، فصار وَزْنُه: تَفْعُوا، بحذف اللاَّم، ثم حُذِفت العَيْنُ ثانيًا، فصار وزنه: تَفُوا، وذلك إجْحَافٌ بالكلمة.
الثالث: ويُعْزى لجَمَاعةِ منهم الفَارسيُّ- أن هذه القِرَاءة مأخُوذة من الولاية، بمعنى، وإنْ وُلِّيتم إقَامة الشَّهَادة أو وُلِّيْتُم الأمرَ، فتَعْدِلُوا عنه، والأصل: «تَوْلِيُوا» فحذفت الواوُ الأولى لِوُقُوعِها بين حَرْفِ المُضَارَعَةِ وكسرةٍ، فصار: «تَلِيُوا» كتَعِدُوا وبَابِه، فاستثقلت الضَّمَّةُ على الياءِ، ففُعِل بها ما تَقَدَّم في {تَلْوُوا}، وقد طَعَنَ قومٌ على قِرَاءة حَمْزة وابن عامرٍ- منهم أبو عُبَيْد- قالوا: لأنَّ معنى الوِلاَية غيرُ لائقٍ بهذا المَوْضِع.
قال أبو عبيد: القراءةُ عندنا بوَاوَيْن مأخوذةٌ من: «لَوَيْتُ» وتحقيقه في تفسيرِ ابن عبَّاسٍ: هو القَاضِي، يكُونُ لَيُّه وإعراضُه عن أحد الخَصْمَيْن للآخر وهذا الطعنُ ليس بِشَيْء؛ لأنها قراءةٌ متَواتِرَةٌ ومعناها صَحيحٌ؛ لأنَّه إن أخَذْناها من الوِلاَية كان المَعْنَى على ما تقدَّم، وإن أخذناها مِنَ الليِّ، فالأصلُ: «تَلْوُوا» كالقراءة الأخْرى، وإنما فُعِل بها ما تَقَدَّم من قَلْبِ الوَاوِ هَمْزةً ونَقْل حركتها، أو من نَقْلِ حَرَكَتِها من غير قَلْبٍ، فتتَّفِقُ القراءَتَان في المَعْنَى. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين...} الآية. قال: أمر الله المؤمنين أن يقولوا بالحق ولو على أنفسهم، أو آبائهم، أو أبنائهم، لا يحابوا غنيًا لغناه، ولا يرحموا مسكينًا لمسكنته، وفي قوله: {فلا تتبعوا الهوى} فتذروا الحق، فتجوروا {وإن تلووا} يعني ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس في قوله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله...} الآية. قال: الرجلان يقعدان عند القاضي فيكون ليّ القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن مولى لابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كانت البقرة أول سورة نزلت، ثم أردفها سورة النساء قال: فكان الرجل يكون عنده الشهادة قبل ابنه أو عمه أو ذوي رحمه، فيلوي بها لسانه أو يكتمها، مما يرى من عسرته حتى يوسر فيقضي، فنزلت {كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله} يعني إن يكن غنيًا أو فقيرًا.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم، اختصم إليه رجلان غني وفقير، فكان حلفه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: هذا في الشهادة، فأقم الشهادة يا ابن آدم ولو على نفسك، أو الوالدين والأقربين، أو على ذي قرابتك وأشراف قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله تعالى رضي بالعدل لنفسه، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الصادق على الكاذب، ومن المبطل على المحق، وبالعدل يصدق الصادق ويكذب الكاذب، ويرد المعتدي ويوبخه تعالى ربنا وتبارك، وبالعدل يصلح الناس، يا ابن آدم إن يكن غنيًا أو فقيرًا فالله أولى بهما، يقول: الله أولى بغنيكم وفقيركم، ولا يمنعك عنى غني ولا فَقْرُ فقير أن تشهد عليه بما تعلم فإن ذلك من الحق، قال: وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام قال: يا رب أي شيء وضعت في الأرض أقل؟ قال: العدل أقل ما وضعت.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإن تلووا أو تعرضوا} يقول: تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة، فلا يقيم الشهادة على وجهها. والإعراض الترك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: {تلووا} تحرفوا و{تعرضوا} تتركوا.
أخرج آدم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله: {وإن تلووا} يقول: تبدلوا الشهادة {أو تعرضوا} يقول: تكتموها. اهـ.